الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (29): {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)}{قَالُواْ} استئناف على طرز السابق أي قال الرؤساء أو قال القرناء في جوابهم بطريق الإضراب عما قالوه لهم {بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} وهو إنكار لإضلالهم إياهم أي أنتم أضللتم أنفسكم بالكفر ولم تكونوا مؤمنين في حد ذاتَكم لا أنا نحن أضللناكم وقولهم:.تفسير الآية رقم (30): {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)}{وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مّن سلطان} أي من قهر وتسلط نسلبكم به اختياركم {بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طاغين} مجاوزين الحد في العصيان مختارين له مصرين عليه جواب آخر تسليمي على فرض إضلالهم بأنهم لم يَجبروهم عليه وإنما دعوهم له فأجابوا باختيارهم لموافقة ما دعوا له هواهم، وقيل: الكل جواب واحد محصله إنكم اتصفتم بالكفر من غير جبر عليه وقولهم:.تفسير الآية رقم (31): {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31)}{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} تفريع على صريح ما تقدم من عدم إيمان أولئك المخاصمين لهم وكونهم قومًا طاغين في حد ذاتهم وعلى ما اقتضاه وأشعر به خصامهم من كفر هؤلاء المجيبين لأولئك الطاغين وغوايتهم في أنفسهم، وضمائر الجمع للفريقين فكأنهم قالوا: ولأجل أنا جميعًا في حد ذاتنا لم نكن مؤمنين وكنا قومًا طاغين لزمنا قول ربنا وخالقنا العالم بما نحن عليه وا يقتضيه استعدادنا وثبت علينا وعيده سبحانه بأنا ذائقون لا محالة لعذابه عز وجل، ومرادهم أن منشأ الخصام في الحقيقة الذي هو العذاب أمر مقضي لا محيص عنه وأنه قد ترتب على كل منا بسبب أمر هو عليه في نفسه وقد اقتضاه استعداده وفعله باختياره فلا يلومن بعضنا بعضًا ولكن ليلم كل منا نفسه، ونظموا أنفسهم معهم في ذلك للمبالغة في سد باب اللوم والخصام من أولئك القوم، والفاء في قولهم:.تفسير الآية رقم (32): {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)}{فأغويناكم} أي فدعوناكم إلى الغي لتفريع الدعاء المذكور على حقية الوعيد عليهم لا لمجرد التعقيب كما قيل، وعلية ذلك للدعاء باعتبار أن وجوده الخارجي متعلقًا بهم كان متفرعًا عن ذلك في نفس الأمر لا باعتبار أن إصداره وإيقاعه منهم على المخاطبين كان لاحظة ذلك كما تلاحظ العلل الغائية في الأفعال الاختيارية لأن الظاهر أن رؤساء الكفر لم يكونوا عالمين في الدنيا حقية الوعيد عليهم، نعم لا يبعد أن يكون القرناء من الشياطين عالمين بذلك من أبيهم، وكذا تسمية دعائهم إياهم إلى ما دعوهم إليه إغواء أي دعاء إلى الغي بناء على أن الكلام المذكور من الرؤساء باعتبار نفس الأمر التي ظهرت لهم يوم القيامة، ومثل هذا يقال في قولهم: {إِنَّا كُنَّا غاوين} بناء على أنهم إنما علموا ذلك يوم التساؤل والخصام، والجملة مستأنفة لتعليل ما قبلها، وكأن ما أشعر به التفريع باعتبار تعلق الإغواء بالمخاطبين وهذا باعتبار صدور الإغواء نفسه منهم، وهو تصريح بما يستفاد من التفريع السابق.ويجوز أن يكون إشارة إلى وجه ترتب إغوائهم إياهم على حقية الوعيد عليهم وهو حب أن يتصف أولئك المخاطبون بنحو ما اتصفوا به من الغي ويكونوا مثلهم فيه. وملخص كلامهم أنه ليس منافي حقكم على الحقيقة سوى حب أن تكونوا مثلنا وهو غير ضار لكم وإنما الضار سوء اختياركم وقبح استعدادكم فذلك الذي ترتب عليه حقية الوعيد عليكم وثبوت هذا العذاب لكم، وجوز أن يقال: إنهم نفوا عنهم الايمان والاعتقاد الحق وأثبتوا لهم الطغيان ومجاوزة الحد في العصيان حيث لم يلتفتوا إلى ما يوجب الاعتقاد الصحيح مع كثرته وظهوره ورتبوا على ذلك مع ما يقتضيه البحث حقية الوعيد وفرعوا على مجموع الأمرين أنهم دعوهم إلى الغير مرادًا به الكفر لاعتقاد أمر فاسد لا مجرد عدم الايمان أي عدم التصديق بما يجب التصديق به بدون اعتقاد أمر آخر يكفر باعتقاده، وأشاروا إلى وجه ترتب ذلك على ما ذكر وهو محبة أن يكونوا مثلهم فكأنهم قالوا: كنتم تاركين الاعتقاد الحق غير ملتفتين إليه مع ظهور أدلته وكثرتها وكنا جميعًا قد حق علينا الوعيد فدعوناكم إلى ما نحن عليه من الاعتقاد الفاسد حبًا لأن تكونوا أسوة أنفسنا وهذا كقولهم {رَبَّنَا هَؤُلاء الذين أَغْوَيْنَا أغويناهم كَمَا غَوَيْنَا} [القصص: 63] قال الراغب: هو إعلام منهم أنا قد فعلنا بهم غاية ما كان في وسع الإنسان أن يفعل بصديقه ما يريد بنفسه أي أفدناهم ما كان لنا وجعلناهم أسوة أنفسنا وعلى هذا فأغويناكم إنا كنا غاوين انتهى، وجوز على هذا التقدير أنيكون {فأغويناكم} مفرعًا على شرح حال المخاطبين من انتفاء كونهم مؤمنين وثبوت كونهم طاغين وعن الآيات معرضين، وقولهم: {فَحَقَّ عَلَيْنَا} [الصافات: 31] إلخ اعتراض لتعجيل بيان أن ما الفريقان فيه أمر مقضي لا ينفع فيه القيل والقال والخصام والجدال، ويجوز على هذاأن يراد بضمير الجمع في {فَحَقَّ عَلَيْنَا} إلخ الرؤساء أو القرناء لا ما يعمهم والمخاذبين وأشاروا بذلك إلى أن ما هم فيه يكفي عن اللوم ويومئ إلى زيادة عذابهم، ولا يخفى أن تجويز الاعتراض لا يخلو عن اعتراض، وتجويز كون الضمير في {عَلَيْنَا} إلخ للرؤساء أو القرناء يجري على غير هذا الاحتمال فتدبر.وأيًا ما كان فقولهم {إِنَّا لَذَائِقُونَ} هو قول ربهم عز وجل ووعيده سبحانه إياهم، ولو حكى كما قيل لقيل إنكم لذائقون ولكنه عدل إلى لفظ المتكلم لأنهم متكلمون بذلك من أنفسهم. ونحوه قول القائل:ولو حكى قولها لقال قل مالك ومنه قول المحلف للحالف احلف لأخرجن ولتخرجن الهمزة لحكاية لفظ الحالف والتاء لإقبال المحلف على المحلف. وقال بعض الأجلة: قول الرب عز وجل هو قوله سبحانه وتعالى: {لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85] والربط على ما تقدم أظهر. .تفسير الآية رقم (33): {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)}{فَإِنَّهُمْ} أي الفريقين المتسائلين، والكلام تفريع على ما شرح من حالهم {يَوْمَئِذٍ} أي يوم إذ يتساءلون والمراد يوم القيامة {فِى العذاب مُشْتَرِكُونَ} كما كانوا مشتركين في الغواية. واستظهر أن المغوين أشد عذابًا وذلك في مقابلة أوزارهم وأوزار مثل أوزارهم فالشركة لا تقتضي المساواة..تفسير الآية رقم (34): {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34)}{إِنَّا كَذَلِكَ} أي مثل ذلك الفعل البديع الذي تقتضيه الحكمة التشريعية {نَفْعَلُ بالمجرمين} أي بالمشركين لقوله سبحانه وتعالى:.تفسير الآية رقم (35): {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)}{إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ} بطريق الدعوة والتلقين {لاَ إله إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ} عن القبول.وفي إعراب هذه الكلمة الطيبة أقوال. الأول: أن يكون الاسم الجليل مرفوعًا على البدلية من اسم لا باعتبار المحل الأصلي وهو الرفع على الابتداء بدل بعض من كل وإلا مغنية عن الربط بالضمير. وإذا قلنا أن البدل في الاستثناء قسم على حدة مغاير لغيره من الإبدال اندفع عن هذا الوجه كثير من القيل والقال وهو الجاري على ألسنة المعربين والخبر عليه عند الأكثرين مقدر والمشهور تقديره موجود، والكلمة الطيبة في مقابلة المشركين وهم إنما يزعمون وجود آلهة متعددة ولا يقولون جرد الإمكان. على أن الوجود في هذا المقام يستلزم نفي الإمكان وكذا نفي الامكان عمن عدان عز وجل يستلزم ثبوت الوجود بالفعل له تعالى.وجوز تقديره مستحق للعبادة ونفي استحقاقها يستلزم نفي التعدد لكن لا يتم هذا التقدير على تفسير الإله بالمستحق بالعبادة كما لا يخفى.واختار البازلي تقدير الخبر مؤخرًا عن إلا الله بناء على أن تقديره مقدمًا يوهم كون الاسم مستثنى مفرغًا من ضمير الخبر وهو لا يجوز عند المحققين وأجازه بعض وهو القول الثاني، والثالث ونسب إلى الكوفيين أن إلا عاطفة والاسم الجليل معطوف على الإله باعتبار المحل وهي عندهم نزلة لا العاطفة في أن ما بعدها يخالف ما قبلها إلا أن لا لنفي الإيجاب وإلا لإيجاب النفي، والرابع أن الاسم الكريم هو الخبر ولا عمل لها فيه على رأي سيبويه من أن الخبر مرفوع بما كان مرفوعًا به قبل دخولها فلا يلزم عملها في المعارف على رأيه وهو لازم على رأي غيره، وضعف هذا القول به وكذا بلزوم كون الخاص خبرًا عن العام.وكون الكلام مسوقًا لنفي العموم والتخصيص بواحد من أفراد ما دل عليه العام لا يجدي نفعًا ضرورة أن لا هذه عند الجمهور من نواسخ المبتدأ والخبر، والخامس أن إلا عنى غير وهي مع اسمه عز اسمه صفة لاسم لا باعتبار المحل أي لا إله غير الله تعالى في الوجود، ولا خلل فيه صناعة وإنما الخلل فيه كما قيل معنى لأن المقصود نفي الألوهية عن غيره تعالى وإثباتها له سبحانه وعلى الاستثناء يستفاد كل من المنطوق وعلى هذا لا يفيد المنطوق إلا نفي الألوهية من غيره تعالى دون إثباتها له عز وجل، واعتبار المفهوم غير مجمع عليه لاسيما مفهوم اللقب فإنه لم يقل به إلا الدقاق وبعض الحنابلة، والسادس ونسب إلى الزمخشري أن لا إله في موضع الخبر وإلا الله في موضع المبتدأ والأصل الله إله فلما أريد قصر الصفة على الموصوف قدم الخبر وقرن المبتدأ بإلا إذ المقصور عليه هو الذي يلي إلا والمقصور هو الواقع في سياق النفي والمبتدأ إذا قرن بإلا وجب تقديم الخبر عليه كما هو مقرر في موضعه، وفيه تمحل مع أنه يلزم عليه أن يكون الخبر مبنيًا مع لا وهي لا يبني معها إلا المبتدأ وأنه لو كان الأمر كما ذكر لم يكن لنصب الاسم الواقع بعد الأوجه وقد جوزه جماعة في هذا الترتيب وترك كلامهم لواحد إن التزمته لا تجد لك ثانيًا فيه، والسابع أن الاسم المعظم مرفوع بإله كما هو حال المبتدأ إذا كان وصفًا فإن إلهًا عنى مألوه من أله إذا عبد فيكون قائمًا مقام الفاعل وسادًا مسد الخبر كما في مضروب العمران. وتعقب نع أن يكون إله وصفًا وإلا لوجب إعرابه وتنوينه ولا قائل به. ثم إن هذه الكلمة الطيبة يندرج فيها معظم عقائد الايمان لكن المقصود الأهم منا التوحيد ولذا كان المشركون إذا لقنوها أو لا يستكبرون وينفرون..تفسير الآية رقم (36): {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36)}{وَيَقُولُونَ أَءنَّا لَتَارِكُو ءالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} يعنون بذلك قاتلهم الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جمعوا بين إنكار الوحدانية وإنكار الرسالة. ووصفهم الشاعر بالمجنون قيل تخليط وهذيان لأن الشعر يقتضي عقلًا تامًا به تنظم المعاني الغريبة وتصاغ في قوالب الألفاظ البديعة. وفيه نظر وكم رأينا شعراء ناقصي العقول ومنهم من يزعم أنه لا يحسن شعره حتى يشرب المسكر فيسكر ثم يقول، نعم كل من الوصفين هذيان في حقه صلى الله عليه وسلم..تفسير الآية رقم (37): {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)}{بَلْ جَاء بالحق وَصَدَّقَ المرسلين} رد عليهم وتكذيب لهم ببيان إن ما جاء به عليه الصلاة والسلام من التوحيد هو الحق الثابت الذي قام عليه البرهان وأجمع عليه كافة المرسلين فأين الشعر والجنون من ساحته صلى الله عليه وسلم الرفيعة الشأن.وقرأ عبد الله {وَصَدَقَ} بتخفيف الدال {المرسلون} بالواو رفعًا أي وصدق المرسلون في التبشير به وفي أنه يأتي آخرهم..تفسير الآية رقم (38): {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38)}{إِنَّكُمْ} بما فعلتم من الإشراك وتكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام والاستكبار {يَرَوُاْ العذاب الاليم} والالتفات لإظهار كمال الغضب عليهم شافهتهم بهذا الوعيد وعدم الاكتراب بهم وهو اللائق بالمستكبرين. وقرأ أبو السماء. وأبان رواية عن عاصم {يَرَوْنَ العذاب} بالنصب على أن حذف النون للتخفيف كما حذف التنوين لذلك في قول أبي الأسود:بجر ذاكر بلا تنوين ونصب الاسم الجليل. وهذا الحذف قليل في غير ما كان صلة لأل. أما فيما كان صلة لها فكثير الورود لاستطالة الصلة الداعية للتخفيف نحو قوله: ونقل ابن عطية عن أبي السمال أنه قرأ {لذائق} بالأفراد والتنوين {يَرَوْنَ العذاب} بالنصب، وخرج الأفراد على أن التقدير لجمع ذائق، وقيل: على تقدير إن جمعكم لذائق. وقرئ {لَذَائِقُونَ} بالنون {العذاب} بالنصب على الأصل.
|